{الحاقة}: القيامة. قال الفراء: إنما قيل لها: حاقة، لأن فيها حواق الأمور. وقال الزجاج: إنما سميت الحاقة، لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر.قوله تعالى: {ما الحاقة؟} هذا استفهام، معناه التفخيم لشأنها، كما تقول: زيد، وما زيد؟ على التعظيم لشأنه. ثم زاد في التهويل بأمرها، فقال تعالى: {وما أدراك ما الحاقة} أي: لأنك لم تعاينها، ولم تدر ما فيها من الأهوال. ثم أخبر عن المكذِّبين بها، فقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعة} قال ابن عباس: القارعة: اسم من أسماء يوم القيامة. قال مقاتل: وإنما سميت بالقارعة، لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب. وقال ابن قتيبة: القارعة: القيامة لأنها تقرع، يقال: أصابتهم قوارع الدهر. وقال الزجاج: لأنها تقرع بالأهوال. وقال غيرهم: لأنها تقرع القلوب بالفزع. فأما {الطاغية} ففيها ثلاثة أقوال.أحدها: أنها طغيانهم وكفرهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، قال الزجاج: ومعنى الطاغية عند أهل اللغة: طغيانهم وفاعلة قد يأتي بمعنى المصادر، نحو عاقبة، وعافية.والثاني: بالصيحة الطاغية، قاله قتادة. وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم.والثالث: أن الطاغية: عاقر الناقة، قاله ابن زيد. والريح الصرصر قد فسرناها في [حم السجدة: 16] والعاتية: التي جاوزت المقدار. وجاء في التفسير أنها عَتَتْ على خُزَّانها يومئذ، فلم يكن لهم عليها سبيل.قوله تعالى: {سخَّرها عليهم} أرسلها وسلَّطها. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار. وفي قوله تعالى: {حسوماً} ثلاثة أقوال.أحدها: تباعاً، قاله ابن عباس. قال الفراء: الحسوم: التِّباع، يقال في الشيء إذا تتابع، فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم. وإِنما أُخِذَ والله أعلم من حَسْمِ الدَّاءِ: إذا كُوي صاحبُه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه.والثاني: كاملة، قاله الضحاك. فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها. قال مقاتل: هاجت الريح غُدْوَةً، وسكنت بالعَشِيِّ في اليوم الثامن، وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيراً أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر.والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحداً، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد.قوله تعالى: {فترى القوم فيها} أي: في تلك الليالي والأيام {صرعى} وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم {كأنهم أعجاز نخل} أي: أصول نخل {خاوية} أي: بالية. وقد بيَّنَّا هذا في سورة [القمر: 20].قوله تعالى: {فهل ترى لهم من باقية} فيه ثلاثة أقوال.أحدها: من بقاءٍ، قاله الفراء.والثاني: من بقية، قاله أبو عبيدة. قال: وهو مصدر كالطاغية.والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة {وجاء فرعون ومَن قبله} قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان: بكسر القاف، وفتح الباء.والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء. فمن كسر القاف أراد: من يليه ويَحفّ به من جنوده وأتباعه. ومن فتحها أراد: من كان قبله من الأمم الكافرة. وفي {المؤتفكات} ثلاثة أقوال.أحدها: قرى قوم لوط. والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون.والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك. وهو الكذب، قاله الزجاج.والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي.قوله تعالى: {بالخاطئة} قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: الخاطئة: الخطأ العظيم {فعصَوْا رسول ربهم} أي: كذَّبوا رسلهم {فأخذهم أخذةً رابيةً} أي: زائدة على الأحداث {إنا لما طغى الماء} أي: تجاوز حدَّه حتى علا على كل شيء في زمن نوح {حملناكم} يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم {في الجارية} وهي: السفينة التي تجري في الماء {لنجعلها} أي: لنجعل تلك الفَعْلةَ التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه {تذكرةً} أي: عبرةً، وموعظةً {وتعيها أذن واعية} أي: أُذُنٌ تحفظُ ما سمعَتْ، وتعمل به. وقال الفراء: لتحفظها كل أُذُن، فتكون عظة لمن يأتي بعده.